بقلم الدكتور: الباهي جاد.
...
تفرض حروفها على أبجديتنا في ختام كل أسبوع ونحن نتزود لنمضى قدماً في محطات الحياة وتدابير القدر وخفايا الصور ؛ لتبرُز لساحات عقولنا مهارة لصيقة بعلاقة المتعلم بالمعلم نسميها (الصبر قدماً) (تأجيل الإشباع ) (مثابرة رغم المجهولات) لنجيب على سؤال (كيف نعمل مع غياب الصورة الكاملة؟).
لم يصبر(موسى) على تعاليم (الخضر) وقد نبهه قبل انطلاقته بسؤاله المحفوظ :وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً؟ واستكمل الخضر رحلته التعليمية مع (مريده) الذي يتصدر قائمة أفضل البشر بالعالم (أولى العزم من الرسل) ليعاني معاناة متكررة أمام كل سؤال لم يجد له جواباً ويسبقه (معلمه) فيه بمسافات وسنوات وفيوضات من لدن ربهما ؛وهو الأعلم..لتُختم الرحلة بقرار من قبل (المعلم): هذا فراق..
ولنا وقفات خمسة ومبالغات يجب أن نحذرها:
١-الصبر يأتي بمرتبة (الإحاطة بالعلم) لذا فالمضى قدماً في تعلمنا والصبر على عدم صبرنا ضريبة ندفعها في البدايات لنستحقق منزلة (الصبر) عند الوصول لمرتبة (الإحاطة) والمراد منها الإلمام بالتفاصيل والعلل والتبعات والمعوقات.
٢-المعلم له دورٌ كبير في إكساب متعلميه (أخلاقيات) العلم قبل (مضامينه) ؛ فمع كل إلحاح من قبل سيدنا (موسى) كان (الصبر) المعلم من قبل سيدنا (الخضر) والمضى قدماً في رحلة التعلم والتذكير بسؤال متكرر: ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبراً؟.
٣-المتعلم عليه تبعة كبيرة من منح معلمه (الثقة) في تدابيره مع سؤاله سؤال (المتعلم) لا سؤال (المشكك) المنتقص من قدر علم (معلمه) ؛ ويبقى الصبر عزيزاً حتى عند أحد أولى العزم من الرسل!
٤-نحتاج لوقفات تدبر وإبحار مع سُوَر القرآن العظيم كافة وسورة الكهف خاصة لنبني منها مفاهيم ومولدات أفكار لحضارتنا المنشودة نفوساً وشعوباً وأمة تبحث عن خارطة عملها المثلى.
٥-لا سبيل لتعلم رشيد ما لم نُبيض صفحات علاقاتنا مع (معلمينا) فلا تشكيك في نواياهم ولا تتبع لعواراتهم ولا تطاول عليهم باللسان ودعاء لهم بظهر الغيب ؛ فإذا صح (منطلق) معلمي وفسد (باطني) تجاهه فقدته ولو بعد حين! وبالتأكيد لم يكن فراق الخضر لموسى لم يندرج تحت طائلة هذه العلة ؛ لكن وجبت الإشارة.
و٣ مبالغات يجب ألا نقع فيهن:
١-لا تبالغ في تقديرك لشغفك: فكما يقول أمير المؤمنين -عمر-:( إني لا أشغل بالي عندما أصحو بما أحب وما أكره ؛فلعل ما أكره يجعل الله فيه خيراً كثيراً) وهنا تختلف نظرة(الموحد)عن غيره للشغف..وكأن لساني حال (الموحد): كل ما يقربني من (الجنة) يمثل شغفاً لى ،ولسانه المتمم (وأبتغي بما أحبه ما يتمم شغفي للجنة).
وكما قال (بن القيم) نقلا عن إحدى طالباتي القارئة بنهم لمؤلفاته : (أن تبتغي في بذلك في مراتب العبودية ما أمر لا فقط ابتغاء الأثر) بالطبع مع أهمية (الأثر) وجدواه على حد تعبيرات (بن القيم)
ذهبت لأستاذي يوماً ؛أطلب منه تغيير مهمتي بعدما أجدتها لكني لم أهواها فأجابني: لماذا عمل كثير من الأنبياء برعي الغنم في مقتبل عمرهم؟ ففهمت الإجابة..فهل شاركتني عزيزى المسافر معي الفهم؟.
٢-لا تبالغ في تقديرك لمعرفتك: فما نجهله أكثر..وعدونا الحقيقي (المعرفة) المنقوصة التي تبث فينا أننا الأعلم والأذكى والأخبر ..ولهؤلاء أسدى الإمام الشافعي نصيحته الجليلة : العلم ثلاثة أشبار؛فلا تكن أبو شبرين! الشبر الأول: لا أعلم ؛فعلموني. والشبر الثاني: أنا أعلم؛ فلا حاجة لي بعلمكم. والشبر الثالث:كلما ازددت علماً ازددت اعترافاً بجهلي.
٣-لا تبالغ في تقديرك لدرايتك بذاتك: فاختبارٌ من نوعٍ جديد تتعرض له يعني كشفاً جديداً لجانب من جوانب شخصيتك (المظلمة) أو التى أشار لها (جوهاري)في نافذته ب(المناطق العمياء blind spots) : لا نعلمها ويعلمها الآخرون عنا..لذا جائت الاستخارة والاستشارة والاستنصاح والاسترشاد بوابات (أربعة) لغوص أعمق أأمن داخل ذواتنا.
فاللهم بصيرة..
